إسبانيا الرسمية لا تملك أن تعطي دروسا في تقرير المصير و هي أكثر من أخل بإلتزاماته.
الصورة
إسبانيا

بين خطوة ترامب ضد الشرعية وسقطة سانشيث  ، كلاهما أعلن ما أضمره من سبقوهم لا غير وما من تغير مطلق ما دام صاحب القضية ماضٍ في كفاحه حتى الاستقلال، أما الرباط فاتركوا لها عقدة السيادة المفقودة وإن تشدقت بمواقف هنا وهناك فلكلٍ مقاصده لما يفتقدُ  ، فذلك أن الكفاح الصحراوي قد أوصل الاحتلال إلى إظهار كل أوراقه التي طالما راهن على كولستها خفيةً  .

 

خطوة إسبانية ترى فيها هيئات وأطراف كثيرة بأنها أحادية الجانب بل وفاقدة للشرعية ليس لكونها لا تعبر عن إجماع الإسبان وإنما أيضا لأن من يملك حق التقرير في مسألة الصحراء الغربية هم شعبها لا ما يطبخ في مدريد أو واشنطن بإمرة من الرباط أو بضغط من باريس حيث توجد إسبانيا بين فكي رحى.

 

معطى جديد قديم يدخل قضية الصحراء الغربية على خط العلاقات الإسبانية المغربية فيما يبدو أنه منعرج جديد وقد يكون الأخطر منذ اتفاقية مدريد الثلاثية التي تخلت بموجبها إسبانيا عن مستعمرتها السابقة دون تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال في 14 نوفمبر 1975، على الرغم من أن إسبانيا لم تنسحب فعليا إلا بخروج آخر جنودها في 26 فبراير 1976، يوما قبل إعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التي قطعت الطريق أمام دابر الطامحين المتآمرين حينئذٍ بمباركة إسبانية فجة وفاضحة تظل وصمة عار في جبين تأريخ حافل من الخذلان وتغليب المصالح على حساب الحقوق بل وتقويضها .

 

فلا غرابة أن تتشابه وتتشابك مصالح قوتين استعماريتين لم تكونا بشجاعة تنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي، حيث يعلمان يقيناً رفضه لكل قوى الاستعمار والتوسع، فلا إسبانيا كانت بمستوى التكفير عن أوزارها في الصحراء الغربية، إذ خرجت بطريقة فوضوية من الإقليم الذي يظل على كاهل مسؤولياتها كقوة مديرة في نظر القانون الدولي حيث أخلت به مرتين وعبثت ببنوده، ولا الاحتلال المغربي الذي تقدم قيد أنملة في مساع ومسالك التسوية التي تنتهي ضرورة بخيارات الصحراويين لا بمن يختاره الآخرون نيابةً عنهم .

 

 

لوحت الرباط بأسلحتها المعهودة في وجه الأوربيين وأقربهم لحدودها بالتحديد، فبين  أزمة سبتة ومليلية والتصعيد المتزايد وقضايا المهاجرين والمخدرات وخلايا التطرف النائمة داخل إسبانيا نفسها ومجموعات الضغط وساسة سياحة المواقف المتواترين على مراكش وأخواتها، ما كان على رئيس الحكومة الإسبانية إلا أن يسقط في شراك المخزن، إذ أبدى علنا ما أخفاه سابقوه المتعاقبون على قصر المونكلوا من رؤساء حكومات المملكة الأيبيرية والذين طالما تغنوا بدعم الشرعية الدولية ولوائح الأمم المتحدة ومواثيق القانون الدولي، بل إن حكومة بيدرو بالذات أطلت في بيان لها أنها تدعم جهود المبعوث الأممي الجديد للصحراء الغربية ستيفان ديميستورا ، وسخرت طائرة عسكرية تُقل الدبلوماسي الإيطالي السويدي للمنطقة .

 

سقطة رئيس الحكومة الإسبانية الذي اعتبر ما أسماها بالمبادرة المغربية  بمثابة الأساس "الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية النزاع " في الصحراء الغربية،  في رسالة بعثها إلى الملك المغربي  مضيفا أن إسبانيا ستحترم على الدوام التزاماتها وكلمتها، وهي في الوقت ذاته تخل بأكبر التزام إذ تتنصل من التزاماتها السياسية والتاريخية والقانونية والإنسانية وحتى الأخلاقية بشكل علني وفاضح.

 

 

وكي نفهم السياق العام للخطوة بعد شد وجذب في ربط سريع للأحداث الأخيرة منذ حادثة استشفاء الرئيس الصحراوي بإسبانيا وما صاحبها من ابتزاز علني بورقة الهجرة التي تكررت خلال الأسابيع القليلة الماضية بتوافد أعداد قياسية بشكل ممنهج من قبل نظام مغربي طالما قدم نفسه على أنه حارس أوروبا الأمين وشريكها الإستراتيجي والمتعاون الأمني الأول بخبرته في مكافحة ما كانت الرباط ولا زالت سببا في تذكيته في المنطقة وأوروبا والعالم .

 

 

تهديدات عسكرية

 

أحداث ذهبت بالقائد السابق للجيش الاسباني، فرناندو اليخاندري مارتينز  إلى أن الأزمات مع المغرب قد تتحول إلى نزاع مسلح .

وكشف الرئيس السابق للجيش الاسباني بين عامي 2017 و2020 ، في كتاب يشرح فيه رؤيته “للدفاع عن إسبانيا” أن المغرب يمثل تهديدا مباشرا لإسبانيا قد يتحول تدريجيا إلى نزاع مسلح .

واستنكر القائد العسكري السابق عدم وجود تصور لدى المواطنين الإسبان لحجم التهديدات التي يمكن أن تواجهها إسبانيا، مسلطا الضوء على المغرب واستثماراته المتزايدة في السلاح، مشيرا إلى أن التهديد المغربي سيتجسد ” عندما يحين الوقت” .

 

وتابع بالقول  "إن المغرب سيعتمد على عناصر مختلفة مثل الهجمات على الحدود التي شهدتها مدينتا سبتة مليلية والتي ستتحول حسبه إلى نزاع مسلح لكنه يعتقد أن ذلك لن يحدث على المدى القصير، محذرا في ذات الوقت من إغفال خطورته" .

 

 

المخدرات على خط المواقف

 

وغير بعيد عن كل تلك الأحداث صنف تقرير للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات في تقريرها السنوي الخاص بعام 2021 ، المغرب كأول منتج للقنب في العالم والمصدر الأول له للاتحاد الأوروبي  وبالضرورة إسبانيا محطته الأولى ، مشيرا إلى أن حائجة كورونا كان لها تأثير محدود على العرض والطلب على المخدرات غير المشروعة في أوروبا.

 

وأوضح التقرير أن الشبكات الإجرامية كانت لها قدرة على التكيف أكثر في مواجهة تدابير الاحتواء المرتبطة بالموجة الثانية من الوباء، ففي النصف الثاني من عام 2020 تم التخلي عن الطرق البرية المؤدية إلى أوروبا لصالح الطرق البحرية من أجل تهريب القنب من المغرب، معتبرا أن إسبانيا هي نقطة الدخول الرئيسية للمخدرات المهربة من إفريقيا إلى أوروبا .

 

وتحت ذريعة الأغراض الطبية والصناعية سمحت الرباط بزراعة القنب، من خلال المصادقة على القانون 13.21، الذي يؤسس لوكالة مغربية  لتقنين القنب في وقت كانت وسائل إعلام مغربية قد أخرجت مسرحية هزيلة بتقديم مواطنين من أمريكا اللاتينية للعدالة المغربية بعد اكتشاف نشاطهم بالمادة شرقيي المغرب، في خطوة لم تكن إلا لتخفي ما تهدف المملكة لإغراق المنطقة والعالم به  .

 

 

آثار آخر عهد الهيبة الإسبانية

 

تعود للواجهة أزمة جزيرة ليلى، و أحداث متعاقبة من التوتر ، لم تنته إلا بتفجيرات محطة القطارات آطوتشا في قلب العاصمة الإسبانية مدريد والتي أطاحت حينها بالحكومة اليمينية لصالح من ظهر أكبر مؤيد للمغرب خوسي رودريغث ثاباتيرو الذي خلف خوسي ماريا آثنار الذي لم يخف الخطر المغربي بل وسعى لتحجيمه  مرارا ، وهي الأحداث التي لازالت أصابع الاتهام موجهةً إلى الضلوع المغربي حيالها،  بحسب مراقبين وشخصيات نافذة في البلاد  .

 

باريس والرباط يضعان إسبانيا بين فكي كماشة

 

إذا كانت فرنسا هي القوة التي تحمي الاحتلال المغربي في الصحراء الغربية بعدما عجزت عن تشريعه ، والإجهاز على مقتضيات الشرعية الدولية عبر مساعيها المتكررة لتحريف مضامين وفقرات وتقارير دورات مجلس الأمن الدولي وتحييد المسألة برمتها عن مسارها القانوني الجلي ، فإنها رفقة إسبانيا من تتزعمان تقويض الشرعية الدولية ، وهو ما تجسد مؤخرا في سعيهما بإسئناف ضد قرار محكمة العدل الأوروبية الأخير في 29 سبتمبر من السنة الماضية ، في وقت قدمت فيه مدريد نفسها على أنها سادس أعضاء مجلس الأمن الدولي ضمن ما يُطلق عليه جزافا أصدقاء الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص مسألة الصحراء الغربية  ، التي لم تملك من بد أو على الأقل على ضوء الموقف المعبر عنه مؤخرا إلا من الخضوع لفكي الرحى الفرنسية المغربية .

 

 

البرتغال الجارة التي أحرجت إسبانيا في قضية تيمور الشرقية

 

كان حري بإسبانيا الامتثال للشرعية الدولية والسعي في تطبيق مواثيق القانون الدولي عبر الاعتراف بجرائمها في الصحراء الغربية والوفاء بالتزاماتها في مستعمرتها السابقة على النحو الذي نهجته جارتها الغربية البرتغال في قضية تيمور الشرقية التي تعترف بدورها رسميا بالجمهورية الصحراوية رسميا  .

 

غير أن إسبانيا آثرت على نفسها مناقضة مبادئها التي ترفع وشعاراتها حيث تتشدق ، وشعبها وكل عرف ، حيث لم تغير جلدها الاستعماري ما تعاقبت السنون أو طالت معاناة الشعب الصحراوي، وإن أظهرت غير ذلك في بقاع الأرض، فلا تملك أن تعطي دروسا في الحريات والديمقراطية وتقرير المصير وأثرها الفاضح في الصحراء الغربية لا زال ماثلا إلى يوم الناس هذا.

 

نفعي أحمد محمد

برنامج يرصد نبض بلدان العالم عبر شبكة مراسلينا